| 0 التعليقات ]

 
عبد الرزاق أحمد باشا السنهوري ، هو قاضي مصر الأكبر ، وأعظم فقهائها في القانون الحديث والمعاصر بإجماع الشرقيين والغربيين ، تجد مزيداً من سيرته وآثاره هنا ..


 وفيما يلي بعض من متفرق كلامه عن الشريعة الإسلامية .. يقول: 




(1) لقد أعطى الإسلام للعالم شريعة هي أرسخ الشرائع ثباتا .. وهي تفوق الشرائع الأوروبية ! .. وإن استقاء تشريعنا المعاصر من الشريعة الإسلامية هو المتسق مع تقاليدنا القانونية .. إنها تراثنا التشريعي العظيم ! وبها يتحقق استقلالنا في الفقه والقضاء والتشريع ..



(2) إنها النور الذي نستطيع أن نضيء به جوانب الثقافة العالمية في القانون .. لقد اعترف الغريب بفضلها فلماذا ننكره نحن؟! وما بالنا نترك كنوز هذه الشريعة مغمورة في بطون الكتب الصفراء ، ونتطفّل على موائد الغير ، نتسقّط فضلات الطعام ؟!



(3) الإسلام دين ودولة ، ملك إلى جانب العقيدة ، وقانون إلى جانب الشعائر ، والنبي صلى الله عليه وسلم هو مؤسس الحكومة الإسلامية كما أنه نبي المسلمين .. أقام الوحدة الدينية والوحدة السياسية .. ووضع قواعد الحياة الاجتماعية والحياة السياسية .. 
فالإسلام دين الأرض كما هو دين السماء !
(4) إن الإسلام دينٌ ومدنية .. والمدنية الإسلامية أكثر تهذيباً من المدنية الأوروبية .. والرابطة الإسلامية هي المدنية الإسلامية ، وأساسها الشريعة الإسلامية .. وأمتنا أمة ذات مدنية أصيلة ، وليست الأمة الطفيلية التي ترقع لمدنيتها ثورباً من فضلات الأقمشة التي يلقيها الخياطون .. !


______________________________

متفرقات من "إسلاميات السنهوري" - طبعة دار السلام .
» تابع القراءة

| 0 التعليقات ]

آه يا سورية! أين رحتُ لا ينفك طيفك عني فلا يزال يغري بك آلامي ويثخنني جراحاً .. وعزاء هذا القلب أن جراحه إنما هي فيكِ فلا سَلَت عنكِ القلوب .. !

ما أجهلك أيها الظالم تظن أن شرارة بارود قد تطفئ في الناس لهيب الكرامة! بل ما أكفرك تظن أن صوت مدفع قد يحجب عن سمع الله دعاء مظلوم .. !

كذا تصغر نفس الجبار حتى إن أعظم الخطر وأكبر الذل عندها لا يكون إلا من حياة طفل! لذا أراد فرعون ليقتل موسى في بطن أمه جنينا .. !

إن نفسا تزهقها أيها الطاغية هي عمر ينضاف إلى عزمنا. عمر حسابه ليس بالسنين ولكن حسابه كؤوس الحنظل والعلقم نذيقها لك ومن ورائها نار تلظى

لكم الله أهلنا في سورية! لكم الله ومن بعده دموع في عيون جازعة ونحيب من قلب مكلوم .. ! وألسنة عجزى لا تملك إلا الدعاء .. !

أما والله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ولكنك يا قلب تفتأ تجعل لي من كل معنى من معاني الحزن في هذا الوجود قلبا ينبض به؛ حتى لو قد قيل ما مثلك في القلوب لقلت: قلب سورية .. ! سورية .. ! آه يا سورية .. !

الثورة السورية جعلت لكل إنسان في هذا العالم مرآة من نفسه أوقفته أمامها ثم .. ثم نزعت عنه ما يستر سوءته .. !

بين محنتي سوريا وليبيا ، علمتنا أمريكا أن من الشعوب من تنزف جراحاتها دماً ، ومنها من تنزف جراحاتها بترولاً .. !

هب المسلمين قوة عظمى واستغاثهم شعب على طاغية يستبد فيهم ويسومهم الخسف والذل أكان يسعهم الانصراف عنهم؟! إذاً لقد انصرفت عنهم خيريتهم في الأمم .. !

فهموا الطغاة أن أرض الحرية لا يستنبتها الماء وإنما يستنبتها الدم وأن كل قطرة من دم تستنزف ليست إلا نبتة تستزرع ثم نادوا فيهم: قَرُب الحصاد .. !

يقتل الطفل ليزع في الشاب معاني الرجولة! أيها الطاغية المسكين! قد استزرع الشباب معانيها في نفوسهم وسقوها بدمائهم فإما أنت وإما هم .. !

إن الأرض التي سقتها دماء الأحرار هي أرض حرة يأبى الدم فيها أن يسكن من تحت أقدام ذابحهم .. ! لتميدن من تحتك الأرض .. فارتقب .. !

ماذا لو كانت سوريا‏ تعوم على بحر من البترول؟ ما أكثر السابحين حينئذ !!!

كانت نصرة المسلمين إخوانهم فيما سلف بالمال والنفس .. واليوم يستنصرونهم إخوانهم فلا يكون نصرهم إلا أحرفا تشهد على عجزهم وخوارهم .. !

أصبحت الحدود التي تفصل بين الإخوان حُجباً تضرب على القلوب فهي منها إلى غور سحيق من التبلد لا يبلغ إليه صراخ أمة من الأطفال تُذبح .. !

يوم الناس في غير سورية نهار يعقبه ليل، ويوم الناس في سورية دم ينضحه دم .. !

يد الإنسانية شلاء في سورية .. إذ كانت لا تقدر أن تحمل إلا براميل النفط .. !

في الطفل تكون المعاني خالصة لم تدركها يد الحياة بسوء ولم تعمل فيها عوامل الاجتماع بشائبة، بل تخرجها يد البراءة كأنها آية وحدها .. ولذا فإن أخوف ما يخاف الطاغية أن يدرك الطفل معنى من معاني الرجولة فيستنبتها قلبه وينشأ عليها ففي ذلك هلاك ملكه وزوال أمره .. !

إن الحادثات تنشئ الإنسان نشأة أخرى، لا نشأة اللحم والدم، ولكن نشأة العصب يقدحه لهيب العزة وأوار الكرامة .. ولذلك كان الطغاة أشد الناس غفلة وأكبرهم حمقاً إذ كانوا لا يزدادون طغيانا وخسفا إلا ازدادت شعوبهم صدودا منهم ومنَعَة .. فليس يستوى في معاني الرجولة أو يستقيم في ميزانها من نبت قلبه في مواطن العزيمة ومراقي الكفاح ومن نشأ على الترف المتأنث والرفه المتخنث !

أمّة سراب! يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه ليجلو منه صدأ أو يروي فيه غلّةً لم يجده شيئاً! تعساً لأمة السراب! ألا تعساً لها ثم تعساً! ناموا ملء جفونكم! ناموا ما وسعتكم دنيا أحلامكم من النوم! واطمئنوا في نومكم فلن يجاوز الصمم في آذانكم عويلُ ثكلى أو صراخ يتيم! ألا بُعدا لكم!
بصطرخون ثم لا تجيبهم منا سوى كلمات هي أشد عليهم من مدفع يقصفهم أو رصاصة تقتلهم إذ ليس فيها إلا معاني الذلة والوهن والخذلان! أفٍّ لنا ثم أفّ

ما قيمة الكلمة وقد انقطع أثرها وعادت فراغا من معناها؟ هذا موضع لا تدفع فيه الكلمة صائلا أو ترد باغيا! عدونا يرمينا بالمدافع فنجيبه بالألسنة!
» تابع القراءة

| 0 التعليقات ]

مشكلة حرية الاعتقاد والفرق بين موقف الإسلاميين المقيد بالوحي وبين موقف الليبراليين الوضعي الفلسفي، هي من المشكلات الدقيقة التي يحتاج تحريرها إلى بسط تاريخي واستدلالي.

لكني أكتفي في هذا المقال بالكلام عن الردة ومدى انسجام موقف الوحي منها مع العقل الصحيح، في إطار سلسلة نهدف منها إلى بيان أن الشريعة التي قررها الله سبحانه في الوحي هي شريعة عقلانية تفوق في سمو مقاصدها وسلامة بنائها العقلي الشرائعَ الوضعية التي يزعم الليبراليون ونحوهم أنها هي المناسبة لزماننا وأنها زبدة نتاج العقل الإنساني في العصر الحديث.

وإذا ثبت أن هذه الشريعة الثابتة بالوحي جارية على أصول العقل السليم امتنع تقديم الشرائع الوضعية عليه لأنه إما أن يقال إن شريعة الوحي جمعت العقل الصحيح مع كونها صادرة عن الله الخالق المدبر العليم الخبير فاجتمع لها حسنان أوجبا تقديمها، وإما أن يقال إنها شريعة ثبتت صلاحيتها بأدلة عقلية وجب على من يطعن فيها أن يرد على هذه الأدلة العقلية وأن يثبت أن الشريعة التي يستند هو إليها قامت على أصول عقلية أحسن وأوفى، أما تقديم الشرائع والقوانين الوضعية على القوانين الثابتة بالوحي مع عدم خوض هذا المعترك الاستدلالي المقارن فهو نهج غير علمي وتحيز غير موضوعي، يأباه المنهج العلمي الصحيح ويرفضه العقل الحر.

وواضح جداً أنني لن أتكلم عن عقوبة المرتد وصورتها في الشريعة وخلاف الفقهاء حولها وحول شروط إنفاذها؛ إذ إن من نحاورهم ينكرون مطلق عقوبة المرتد ويرون أن فيها عدواناً على حرية الاعتقاد فناسب أن نثبت لهم معقولية هذه العقوبة وسلامة بنائها العقلي والقانوني بقطع النظر عن صورتها وكيفيتها.

وواضح جداً أيضاً أن حديثنا هنا هو مع من يرد العقوبة الشرعية لأنه يرى فيها عدواناً على القيم سواء كان يقر بأن هذه العقوبة هي شرع الله بالفعل أو كان ينازع في هذا.

فنقول :
عندنا مجموعتان من النصوص ،المجموعة الأولى هي التي تنتظم نصوص عدم الإكراه في الدين كقوله سبحانه : ((لا إكراه في الدين))، وقوله سبحانه : ((فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر)) ،وقوله سبحانه : ((ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)).

والمجموعة الثانية هي التي تنتظم  نصوص حاكمية الوحي وسلطانه وحرمة الفكاك منها كقوله سبحانه : ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم))،وكقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري : ((من بدل دينه فاقتلوه)).

وضربُ مجموعتي النصوص هاتين ببعضهما ومعارضة المجموعة الأولى بالمجموعة الثانية فيه مغالطة أدت إلى الغفلة عن أن المجموعتين لا تردان على محل واحد،وإنما هما تعالجان حالتين مختلفتين.

وهذه المغالطة متكررة الحدوث ومن أمثلتها ضرب نصوص السِلم في القرآن بنصوص الجهاد ،وجعل الإسلام سلما كله أو حربا كله أو اتهامه بالتناقض،بينما واقع الحال هو أن نصوص السلم لها موضعية ومشروطية معينة،ونصوص الحرب لها موضعية ومشروطية مختلفة تماماً.

وفي مسألتنا نجد أن المجموعة الأولى تعالج أمر الذين لم يؤمنوا بهذا الدين ولم يقروا بالالتزام بأوامره وأحكامه،فليس لحامل الرسالة الإسلامية معهم سوى الدعوة والتذكير والنصح،وليس له أن يكرههم أن يكونوا مؤمنين،والدليل على أن هذا هو المراد بآيات هذا المجموعة ظاهر جداً في دلالات ألفاظ الآيات فالآيات تتحدث عن قوم لم يؤمنوا وتمنع إكراههم على الإيمان.

وفي المقابل تتحدث المجموعة الثانية من النصوص عن قوم آمنوا وعن قوم دانوا بهذا الدين والتزموا أحكامه ،فهي تخاطب المؤمن والمؤمنة والحديث يخبر عن من دان بدين الإسلام بالفعل ،وهنا لا يسوي الوحي بين الحالتين أبداً،ويجعل حكم الذي آمنوا ودانوا بهذا الدين هو وجوب الالتزام بأحكامه وحرمة عصيانها وأنهم معاقبون إن عصوا ومعاقبون إن ارتدوا عن هذا الدين بعد أن آمنوا به وانضووا تحت لوائه.

وهذ التفريق الذي أتى به الوحي هو الذي يؤيده العقل الصحيح وتسير عليه القوانين المعاصرة،فإن إجماع القوانين والنظم المعاصرة قائم على التفريق بين من أقروا بالالتزام بالقانون وبين من لم يدخلوا تحت مظلته أصلاً،فالمقرون معاقبون إن خالفوا ومن لم يدخلوا تحت مظلة القانون فلا سلطة للقانون عليهم،والأمثلة التالية توضح ذلك :

(1) فلو انتخب رجل حكومة بالانتخاب الحر ،ثم أتت هذه الحكومة بعد أن استوت على سدة الحكم فشرعت قانوناً ،فجاء هذا الرجل وقال إن لي حرية عدم التزام هذا القانون بما أني كنت حراً في اختيار هذه الحكومة أصلاً = لأجمع العقلاء جميعاً على أن هذا التصرف غير جائز وعلى أن الحرية قبل الانتخاب لا تعني الفكاك من الإلزام القانوني الذي تأتي به هذه الحكومة المنتخبة.

(2) الانتماء بالولاء لدولة أجنبية ليس جريمة يعاقب عليها القانون إلا إذا كان هذا المنتمي قد سبق له الدخول تحت ولاء دولة أخرى،وحينها يكون ولاءه لدولة ثانية إشكالاً قانونياً قد يصل لحد اتهامه بالخيانة العظمى بحسب طبيعة الولاء الذي صرفه لتلك الدولة الأجنبية.

(3) تفرق القوانين المعاصرة بين القانون قبل أن يُسن تشريعياً فهو في هذه الحالة غير ملزم ولا يعاقب المواطن على مخالفته وتقوم المحاكم الإدارية بإلغاء أي عقوبة بنيت على أساس قانون لم يشرع بالطرق التشريعية المقررة في الدولة،أما إذا سن القانون تشريعياً وتم الإعلام به فإن المواطن يعد مقراً ضمنياً بوجوب الالتزام به ويعاقب عند مخالفته.

(4) تتم معاقبة الفرد الأجنبي الموجود داخل حدود دولة غير دولته بقوانين تلك الدولة لإقراره الضمني عند دخوله باحترام البلد الذي دخله وقوانينه،في الوقت نفسه الذي لا سلطة لهذا البلد عليه إن ارتكب جريمة خارج حدودها.

(5) يحاسب على نقض الاتفاقات والمعاهدات الدولية من دخل طرفاً فيها دون غيره.

وإذاً : فالعقل السليم شاهد على أن لصاحب السلطة القانونية الإلزامية أن يفرق في الأحكام والعقوبات بين من سبق له الالتزام بقانونه والإقرار بالخضوع له، وبين من لم يخضع لهذا القانون أصلاً.

ومن هنا فقد جاء الوحي بعقوبة من التزم بالخضوع لأحكام الشرع والانضواء تحت مظلة الإسلام إن هو أراد الردة عن الدين أو معصية أحكام الشرع، وهذه العقوبة في هذه الحالة سليمة البناء العقلي والقانوني، ولا يمكن الزعم بأن هذه العقوبة مضادة لحرية الاعتقاد ؛لأن هذه الحرية ليست مطلقة وإنما هي كحرية التملك وحرية الحركة وحق الحياة كلها حقوق وحريات يمكن تقييدها والحد منها بالقوانين التي تكون ملزمة للمنضوين تحت الإطار الإلزامي للقانون .
ولذلك :

(1) تقيد حرية الحركة بقوانين الهجرة والجنسية بل وبقوانين السجن.
(2) ويقيد حق التملك بألا يكون هذا التملك بطريق السرقة .
(3) ويقيد حق التصويت بألا يكون المصوت دون السن القانونية.
(4) ويقيد حق الحياة وينزع من الإنسان عقوبة له على انتزاع حياة غيره عمداً.
(5) وتقيد الحرية الجنسية في القوانين الغربية بمنع معاشرة القاصرات.

فلا يمكن إذاً الاعتراض على البناء العقلي والقانوني لعقوبة المرتد في الشريعة الإسلامية، وليس تقييد هذه العقوبة لحرية الاعتقاد بأعظم من تقييد عقوبة الإعدام في القوانين المعاصرة لحق الحياة نفسه.

وبالتالي لا يجوز الاعتراض على عقوبة المرتد بكونها مضادة لحرية الاعتقاد ؛لأن مجرد كون القانون يقيد حرية من الحريات ليس مطعناً فيه ،وإنما يكون محل النظر العقلي هو هل مصلحة تقييد الحرية بهذا القانون أعظم وأكبر وأنفع للبناء القانوني ولصالح الناس والمجتمعات أم مصلحة بقاء هذه الحرية  على حالها من غير تقييد.

فإنه لا نزاع بين دعاة الحرية في أن هذه الحرية محكومة ومقيدة بعدم العدوان على الغير ،وبالتالي فإن حرية الاعتقاد لا يصح ولا يجوز أن تبلغ مبلغ العدوان على أحكام الدين التي سبق لهذا المسلم أن أقر بوجوب الالتزام به،ومن حق مشرع القانون وقتها أن يعاقبه على عدم التزامه بالقانون الذي أقر هو بأنه سيلتزم به.

والذي نزعمه ثابتاً ثبوتاً عقلياً ناصعاً هو أن مصلحة تقييد حرية الاعتقاد أعظم بكثير من مصلحة عدم التقييد؛ لأن هذا التقييد يتضمن عقوبة لمن أقر بالالتزام بأحكام الدين إذا أراد أن ينحل منها ،وعقوبة من يريد الانحلال من الأحكام التي أقر بها والتزمها لا يجادل في مشروعيتها منصف؛وإلا تلعب الناس بالأحكام ولم تكن لها حرمة،والحفاظ على الدين من العبث هو في منظومة التشريع الإسلامي لا يقل أهمية عن أهمية الحفاظ على ثوابت الانتماء الوطني من العبث.

فإن قيل : هذا رأيه فلم لا تناقشونه بالرأي ؟

قلنا : إن هذا الرأي ليس مجرداً بل هو رأي يتضمن نقض العقد الذي سبق وقطعه هذا المسلم على نفسه بالالتزام بأحكام الشريعة،ومن هنا كان من حق الطرف الثاني من العقد أن يعاقبه على نقضه لهذا العقد وفق مظلته القانونية المعلنة ؛ولذلك فإنه لو أتى رجل وتخابر لصالح إسرائيل فإن للقانون المصري معاقبته ولا يقول عاقل حينها إنه لا تجوز معاقبته لأن له رأياً مفاده أن مصر تصادر حق إسرائيل في إقامة دولتها؛لأن القانون المصري المعلن يجرم هذا التخابر ويقيد بهذا التجريم مساحة حرية الرأي هذه؛كي لا تتضمن عدواناً على حقوق الآخرين.

فإن قيل : فلم لا تقرون هذه العقوبة على المرتد من دينه إلى دين الإسلام؟
كان الجواب : أن هذا في البناء العقلي القانوني للتشريع الإسلامي متسق جداً ؛لأن دين الغالبية العظمى في البلاد المحكومة بالشريعة الإسلامية هو الإسلام،وبالتالي كان خروج الإنسان عن دين آخر ليدخل دين الإسلام موطداً لبناء الدولة وداعماً لأغلبيتها ومتناسقاً مع المنظومة العامة للدولة المحكومة بالشريعة الإسلامية،ولذلك لم ير عقل مهم في بناء مفهوم الدولة المدنية كعقل جون لوك عيباً في انتقال الرجل لدين من الأديان الإبراهيمية الثلاثة في أورباً ولم ير ذلك مضراً لقانون الدولة ؛لطبيعة أوربا ولتشكلها  من أطياف هذه الأديان،لكنه أبى وبشدة أن يقر للملحد بنفس الحق فقال بالنص : ((لا يمكن التسامح على الإطلاق مع الذين ينكرون وجود الله)).

وبالتالي فإن تشكل الدول المحكومة بالشريعة الإسلامية من غالبية مسلمة يوجب التسامح في المعاملة مع أهل الملل الأخرى،ولا يقبل في الوقت نفسه أن يترك المسلم دينه لأن في ذلك إخلالاً بالعقد الذي عقده هذا المسلم على نفسه حين دخل الإسلام،ولا يرى إشكالاً في أن ينضم من الأقليات عدد ما لدين الأغلبية؛لأن ذلك في صالح توطيد دعائم الدولة،فوق أنه لا يخالف قانوناً أو عقداً  سبق وأن التزم به هذا الذي أسلم مع الدولة القائمة المحكومة بالشريعة الإسلامية،وهذا مثل أن للدولة أن تعاقب مواطنها إن تخابر عليها لصالح دولة أجنبية وليس لها أن تعاقب مواطناً آخر إن تخابر لصالح نفس الدولة؛لأن مظلة الدولة القانونية لا تشمل هذا المواطن ولا يضر بناءها الأمني أن يتخابر لصالح دولة غير وطنه،وكذلك ارتداد الذي يدين بدين غير دين الإسلام عن دينه ولو إلى دين غير الإسلام هو شيء لا يضر البناء الاجتماعي للدولة المحكومة بالشريعة الإسلامية.

هذا ما أردنا بيانه فيما يتعلق بسلامة البناء العقلي والقانوني لعقوبة المرتد في الشريعة الإسلامية،وأنه من جنس الأبنية العقلية والقانونية التي لا ينازع في معقوليتها المؤمنون بالقوانين الوضعية.

» تابع القراءة

| 0 التعليقات ]

يقولون: إن في شباب العرب شيخوخة الهمم والعزائم، فالشبان يمتدون في حياة الأمم وهم ينكمشون.
وإن اللهو قد خلف بهم حتى ثقلت عليهم حياة الجد، فأهملوا الممكنات فرجعت لهم كالمستحيلات.
وإن الهزل قد هون عليهم كل صعبة فاختصروها؛ فإذا هزءوا بالعدو في كلمة فكأنما هزموه في معركة...
وإن الشباب منهم يكون رجلا تامًا، ورجولة جسمه تحتج على طفولة أعماله.
ويقولون: إن الأمر العظيم عند شباب العرب ألا يحملوا أبدًا تبعة أمر عظيم.


***

ويزعمون أن هذا الشباب قد تمت الألفة بينه وبين أغلاطه، فحياته حياة هذه الأغلاط فيه.
وأنه أبرع مقلد للغرب في الرذائل خاصة؛ وبهذا جعله الغرب كالحيوان محصورًا في طعامه وشرابه، ولذاته.
ويزعمون أن الزجاجة من الخمر تعمل في هذا الشرق المسكين عمل جندي أجنبي فاتح...
ويتواصون بأن أول السياسة في استعباد أمم الشرق، أن يترك لهم الاستقلال التام في حرية الرذيلة...
ويقولون: إنه لا بد في الشرق من آلتين للتخريب: قوة أوروبا، ورذائل أوروبا.

***

يا شباب العرب! من غيركم يكذب ما يقولون ويزعمون على هذا الشرق المسكين؟
من غير الشباب يضع القوة بإزاء هذا الضعف الذي وصفوه لتكون جوابا عليه؟
من غيركم يجعل النفوس قوانين صارمة، تكون المادة الأولى فيها: قدرنا لأننا أردنا؟
ألا إن المعركة بيننا وبين الاستعمار معركة نفسية، إن لم يقتل فيها الهزل قتل فيها الواجب!
والحقائق التي بيننا وبين هذا الاستعمار إنما يكون فيكم أنتم بحثها التحليلي، تكذب أو تصدق.

***

الشباب هو القوة؛ فالشمس لا تملأ النهار في آخره كما تملؤه في أوله.
وفي الشباب نوع من الحياة تظهر كلمة الموت عنده كأنها أخت كلمة النوم.
وللشباب طبيعة أول إدراكها الثقة بالبقاء، فأول صفاتها الإصرار على العزم.
وفي الشباب تصنع كل شجرة من أشجار الحياة أثمارها؛ وبعد ذلك لا تصنع الأشجار كلها وإلا خشبا...
يا شباب العرب! اجعلوا رسالتكم: إما أن يحيا الشرق عزيزًا، وإما أن تموتوا.

***

أنقذوا فضائلنا من رذائل هذه المدينة الأوروبية، تنقذوا استقلالنا بعد ذلك، وتنقذوه بذلك.
إن هذا الشرق حين يدعو إليه الغرب؛ "يدعو لمن ضره أقرب من نفعه؛ لبئس المولى ولبئس العشير".
لبئس المولى إذا جاء بقوته وقوانينه، ولبئس العشير إذا جاء برذائله وأطماعه.
أيها الشرقي! إن الدينار الأجنبي فيه رصاصة مخبوءة، وحقوقنا مقتولة بهذه الدنانير.
أيها الشرقي! لا يقول لك الأجنبي إلا ما قال الشيطان: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم: 22].

***

يا شباب العرب! لم يكن العسير يعسر على أسلافكم الأولين، كأن في يدهم مفاتيح من العناصر يفتحون بها.
أتريدون معرفة السر؟ السر أنهم ارتفعوا فوق ضعف المخلوق، فصاروا عملا من أعمال الخالق.
غلبوا على الدنيا لما غلبوا في أنفسهم معنى الفقر، ومعنى الخوف، والمعنى الأرضي.
وعلمهم الدين كيف يعيشون باللذات السماوية التي وضعت في كل قلب عظمته وكبرياءه.
واخترعهم الإيمان اختراعا نفسيا، علامته المسجلة على كل منهم هذه الكلمة: لا يذل.

***

حين يكون الفقر قلة المال، يفتقر أكثر الناس، وتنخذل القوة الإنسانية، وتهلك المواهب.
ولكن حين يكون فقر العمل الطيب، يستطيع كل إنسان أن يغتني، وتنبعث القوة وتعمل كل موهبة.
وحين يكون الخوف من نقص هذه الحياة وآلامها، تفسر كلمة الخوف مائة رذيلة غير الخوف.
ولكن حين يكون نقص الحياة الآخرة وعذابها، تصبح الكلمة قانون الفضائل أجمع.
هكذا اخترع الدين إنسانه الكبير النفس الذي لا يقال فيه: انهزمت نفسه.

***

يا شباب العرب! كانت حكمة العرب التي يعملون عليها: اطلب الموت توهب لك الحياة.
والنفس إذا لم تخش الموت كانت غريزة الكفاح أول غرائزها تعمل.
وللكفاح غريزة تجعل الحياة كلها نصرا، إذ لا تكون الفكرة معها إلا فكرة مقاتلة.
غريزة الكفاح يا شباب، هي التي جعلت الأسد لا يسمن كما تسمن الشاة للذبح.
وغذا انكسرت يوما، فالحجر الصلد إذا ترضرضت منه قطعة كانت دليلا يكشف للعين أن جميعه حجر صلد.

***

يا شباب العرب! إن كلمة "حقي" لا تحيا في السياسة إلا إذا وضع قائلها حياته فيها.
فالقوة القوة يا شباب! القوة التي تقتل أول ما تقتل فكرة الترف والتخنث.
القوة الفاضلة المتسامية التي تضع للأنصار في كلمة "نعم" معنى نعم.
القوة الصارمة النفاذة التي تضع للأعداء في كلمة "لا" معنى لا.
يا شباب العرب اجعلوا رسالتكم: إما أن يحيا الشرق عزيزا، وإما أن تموتوا

__________

وددت لو قد قال رحمه الله : يا شباب الإسلام يبعد بهم عن العصبية الجاهلية ويدخلهم تحت مسمى قوله تعالى
" هو سماكم المسلمين " ، ويجعل في قلوبهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى "
لكن الرافعي - يرحمه الله - معذور في ذلك ، وربما أداه إليه شدة رياح التغريب في عصره والحرب على العربية ، وقد كان نعم المدافع عنها والمقاتل تحت رايتها .أسامة.

________________________

(*) أنشأها في إبان ثورة فلسطين لحقها سنة 1936.
» تابع القراءة