| 1 التعليقات ]


قال كليلة وهو يعظ دمنة ويحذره ، ويقضي حق الله فيه : " وأنت يا دمنةُ ما دمتَ على اجتراحك الرأيَ من الهوى ، واستفراغك الحيلة فيه ، فلو مددت إلى رأيك بكل سبب ، وسلكت في تحقيقه كل سبيل ، وتزلّفت إلى كل حجة ؛ ما أدناك ذلك إلى الحق إلا كما يدنو باسط كفه إلى الشمس يظن أنه بالغها ! وقمتَ منه مقام الهجيريين من الساقي "

قال دمنة : " وكيف كان ذلك ؟ "

قال : " زعموا أن قوماً بأرض كذا أصابهم القحط ، وأُخذوا بالسنين ، فأجدبت الأرض وأجهمت السماء ، وعرفتهم الشمس ، وأنكرهم الغيث ، وأمحلت الدور ، وتعاسر الناس ... وطال عليهم الأمد ، فالتمسوا ساقياً فأصابوه ، فتولوا إليه ، ما شاءوا من شيء إلا وجدوه عنه ، فهم يرِدونه خفافاً ويصدرون عنه ثقالاً .. "

قال : " وكان في المدينة رهط يقال لهم : (الهجيريون) ، تستنبتهم الشمس كما يستنبت الماء الزرع ، فليست تطلع إلا عليهم ، وتغرب وليس في ناديها منهم أحد ، وجعلت فيهم بعضاً من معانيها ، فكانوا سود الوجوه ، غلاظ القلوب ، تضطرم سرائرهم اضطرام التنور .

وغاظهم ما كان من تولي الناس عنهم ، وإقبالهم على الساقي ، فذهبوا في ذلك مذاهب شتى ، ومشوا في الناس يريدون أن يصرفوا قلوبهم عنه ، فقال بعضهم في الماء الذي يحمله : " آسنٌ لا يلبث أن يفسد بطونكم " ، والناس بعدُ منه في صحة وإلى عافية ، وقال بعضهم : " إنه غريب يوشك أن يحل بكم طائره ! " فقال الناس : " بل اطيرنا بكم وبمن معكم ، وإن أنتم مما نزل بهذه الأرض إلا لكالتاريخ من الحادثات لا تُعرف إلا به ولا يُعرف إلا بها " ..

فلما استيئسوا منهم خلصوا نجيًّا ، قال كبيرهم : " لقد - والله - جئتكم بآبدة لا جرم تفضّهم عنه انفضاض الموجب عن الموجب والسالب عن السالب ، فيوشك أن يخزى بها عدوكم ، فاحفظوها مني واجعلوها حديث نواديكم وأسماركم ، واسعوا بها في الناس فعسى أن تتعلقها قلوبهم فتضرب بينها وبينه ، ثم لا يكون لها عنكم حول ، ويبعث الله بها غابر ملككم ، وقد قالت الحكماء : .... "

فقطعوا عليه وقالوا : " أقصر ، وائتنا بما نقول نحن .. "

قال : " قولوا : إنه يستغل الماء ... ! "


التعليقات : 1

إرسال تعليق


أخي الكريم، رجاء قبل وضع أي كود في تعليقك، حوله بهذه الأداة ثم ضع الكود المولد لتجنب اختفاء بعض الوسوم.
الروابط الدعائية ستحذف لكونها تشوش على المتتبعين و تضر بمصداقية التعليقات.